فصل: مقتل الجراح الحكمي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.عزل أشرس عن خراسان وولاية الجنيد.

وفي سنة إحدى عشرة ومائة عزل هشام أشرس بن عبد الله عن خراسان وولى مكانه الجنيد بن عبد الرحمن بن عمر بن الحرث بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري أهدى إلى أم حكيم بنت يحيى بن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جواهر فأعجبت هشاما فأهدى له أخرى مثلها فولاه خراسان وحمله على البريد فقدم خراسان في خمسمائة ووجد الخطاب ابن محرز السلمي خليفة أشرس على خراسان فسار الجنيد إلى ما وراء النهر ومعه الخطاب واستخلف على مرو المجشر بن مزاحم السلمي وعلى بلخ سورة بن أبجر التميمي وبعث إلى أشرس وهو يقاتل أهل بخارى والصغد أن يبعث إليه بسرية مخافة أن يعترضه العدو فبعث إليه أشرس عامر بن مالك الجابي فعرض له الترك والصغد فقاتلوهم ثم استداروا وراء معسكر الترك وحمل المسلمون عليهم من أمامهم فانهزم الترك ولحق عامر بالجنيد فأقبل معه وعلى مقدمته عمارة بن حزيم واعترضه الترك فهزمهم وزحف إليه خاقان بنواحي سمرقند وقطن ابن قتيبة على ساقته فهزم خاقان وأسر ابن أخيه وبعث به هشام ورجع إلى مرو ظافرا واستعمل قطن بن قتيبة على بخارى والوليد بن القعقاع العبسي على هراة وحبيب بن مرة العبسي على شرطته ومسلم بن عبد الرحمن الباهلي على بلخ وعليها نصر بن سيار فبعث مسلم إلى نصر وجيء به في قميص دون سراويل فقال شيخ مضر جئتم به على هذه الحالة؟ فعزل الجنيد مسلما عن بلخ وأوفد وفدا إلى هشام يخبر غزاته.

.مقتل الجراح الحكمي.

قد كان تقدم لنا دخوله إلى بلاد الخزر سنة أربع ومائة وانهزامهم أمامه وأنه أثخن فيهم وملك بلنجر وردها على صاحبها وأدركه الشتاء فأقام هنالك وأن هشاما أقره على عمله ثم ولاه أرمينية فدخل بلاد التركمان من ناحية تفليس سنة إحدى عشرة ففتح مدينتهم البيضاء وانصرف ظافرا فاجتمع الخزر والترك من ناحية اللاف وزحف إليهم الجراح سنة إثنتي عشرة ولقيهم بمرج أردبيل فاقتتلوا أشد قتال وتكاثر العدو عليه فاستشهد ومن معه وقد كان استخلف أخاه الحجاج على أرمينية ولما قتل طمع الخزر وهم التركمان وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل وقيل كان قتله ببلنجر ولما بلغ الخبر هشاما دعا سعيد الحريشي فقال: بلغني أن الجراح انهزم! قال: الجراح أعرف بالله من أن ينهزم ولكن قتل فابعثني على أربعين من دواب البريد وابعث إلي كل يوم أربعين رجلا مددا واكتب إلى أمراء الأجناد يواسوني ففعل وسار الحريشي فلا يمر بمدينة إلا يستنهض أهلها فيجيبه من أراد الجهاد ووصل مدينة أزور فلقيه جماعة من أصحاب الجراح فردهم معه ووصل إلى خلاط فحاصرها وفتحها وقسم غنائمها ثم سار عنها يفتح القلاع والحصون إلى بروعة فنزلها وابن خاقان يومئذ بأذزبيجان يحاصرها مدينة ورثان منها ويعيث في نواحيها وبعث الحريشي إلى أهل ورثان يخبرهم بوصوله فأخرج العدو عنهم ووصل إليهم الحريشي ثم اتبع العدو إلى أردبيل وجاءه بعض عيونه بأن عشرة آلاف من عسكرهم على أربعة فراسخ منه ومعهم خمسة آلاف بيت من المسلمين أسارى وسبايا فبيتهم وقتلهم أجمعين ولم ينج منهم أحد واستنقذ المسلمين منهم وسار إلى باجروان فجاءه عين آخر ودله على جمع منهم فسار إليهم واستحلمهم أجمعين واستنفد من معهم من المسلمين وكان فيهم أهل الجراح وولده فحملهم إلى باجروان ثم زحف إليهم جموع الخزر مع ابن ملكهم والتقوا بأرض زرند واشتد القتال والسبي من معسكر الكفار فبكى المسلمون رحمة لهم وصدقوا الحملة فانهزم الكفار واتبعهم المسلمون إلى نهر أرس وغنموا ما كان معهم من الأموال واستنفدوا الأسرى والسبايا وحملوهم إلى باجروان ثم تناصر الخزر في ملكهم ورجعوا فنزلوا نهر البيلقان واقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزموا فكان من غرق أكثر ممن قتل وجمع الحريشي الغنائم وعاد إلى باجروان فقسمها وكتب إلى هشام بالفتح واستقدمه وولى أخاه مسلمة على أرمينية وأذربيجان.

.وقعة الشعب بين الجنيد وخاقان.

وخرج الجنيد سنة إنثني عشرة ومائة من خراسان غازيا إلى طخارستان وبعث إليها عمارة ابن حزيم في ثمانية عشر ألفا بعث إبراهيم بن سام الليثي في عشرة آلاف إلى وجه آخر وحاشتك الترك وزحف بهم خاقان إلى سمر قند وعليها سورة بن أبجر فكتب إلى الهند مستغيثا فأمر الجنيد بعبور النهر فقال له المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي: إن الترك ليسوا كغيرهم وقد جندك فسلم ابن عبد الرحمن بالنبراود والبختري بهراة وعمارة بن حزيم بطخارستان ولا تعبر النهر في أقل من خمسين ألفا فاستقدم عمارة وأمهل فقال: أخي على سورة وعبر الجنيد فنزل كش وتأهب للسير وغور الترك الآبار في طريق كش وسار الجنيد على التعبية واعتراضه خاقان ومعه أهل الصغد وفرغانة والشاش وحملوا على مقدمته وعليها عثمان بن عبد الله بن الشخير فرجعوا والترك في أتباعهم ثم حملوا على المدينة وأمدهم الجنيد بنصر بن سيار وشدوا على العدو وقتل أعيانا منهم وأقبل الجنيد على الميمنة وأقبل تحت راية الأزد فقال صاحب الراية: ماقصدت كرامتنا لكن علمت أنا لا نصل إليك ومنا عين تطرف فصبروا وقاتلوا حتى كلت سيوفهم وقطع عبيدهم الخشب فقاتلوا بها حتى أدركهم الملل وتعانقوا ثم تحاجزوا وهلك من الأزد في ذلك المعترك نحو من ثمانين فيهم عبد الله بن بسطام ومحمد بن عبد الله بن جودان والحسين بن شيخ ويزيد ابن المفضل الحراني وبين الناس كذلك إذ طلعت أوائل عسكر خاقان فنادى منادي الجنيد بالنزول فترجلوا وخندق كل كائن على رجاله وقصد خاقان جهة بكر بن وائل وعليهم زياد بن الحرث فحملت بكر عليهم فأفرجوا واشتد القتال وأشار أصحاب الجنيد عليه بأن يبعث إلى سورة بن أبجر من سمرقند ليقدم الترك إليه ليكون لهم شغل به عن الجنيد وأصحابه فكتب يستقدمه فاعتذر فأعاد عليه تهدده وقال: اخرج وسر مع النهر لا تفارقه فلما خرج هو استبعد طريق النهر واستخلف على سمرقند موسى بن أسود الحنظلي وسار محمد في إثنتي عشر ألفا حتى إذا بقي بينه وبين الجنيد وعساكره فرسخ لقيه خاقان عند الصباح وحال بينهم وبين الماء وأضرم النار في اليبس حواليهم فاستماتوا وحملوا وانكشفت الترك وأظلم الجو بالعجاج وكان من وراء الترك لهب سقط فيه جمع العدو والمسلمون وسقط سورة فاندقت فخذه ثم عطف الترك فقتلوا المسلمين ولم يبق منهم إلا القليل وانحاش بالناس المهلب بن زياد والعجمي في ستمائة أو ألف ومعه قريش بن عبد الله العبدي إلى رستاق المرغاب وقاتلوا بعض قصوره فأصيب المهلب وولوا عليهم الرحب بن خالد وجاءهم الاسكيد صاحب نسف وغورك ملك الصغد فنزلوا معه إلى خاقان فلم يجز أمان غورك وقتلهم ولم ينج منهم أحد ثم خرج الجنيد من الشعب قاصدا سمرقند وأشار عليه مجشر بن مزاحم بالنزول فنزل ووافقته جموع الترك فجال الناس جولة وصبر المسلمون وقاتل العبيد وانهزم العدو ومضى الجنيد إلى سمرقند فحمل العيالات إلى مرو وأقام بالصغد أربع أشهر وكان صاحب الرأي بخراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الرحمن ابن صبح المخزومي وعبيد الله بن حبيب الهجري ولما انصرفت الترك بعث الجنيد نهار بن توسعة بن تيم الله وزميل بن سويد بن شيم بالخبر وتحامل فيه على سورة بن أبجر بما عصاه من مفارقة النهر حتى نال العدو منه فكتب إليه هشام قد بعث إليك من المدد عشرة آلاف من البصرة ومثلها من الكوفة وثلاثون ألف رمح ومثلها سيفا وأقام الجنيد بسمرقند وسار خاقان إلى بخارى وعليها قطن بن قتيبة بن مسلم فخاف عليه من الترك واستشار عبد الله بن أبي عبد الله مولى بن سليم بعد أن اختلف عليه أصحابه فاشترط عليه أن لا يخالفه فأشار بحمل العيالات من سمرقند فقدمهم واستخلف بسمرقند عثمان بن عبد الله بن الشخير في أربعمائة فارس وأربعمائة راجل ووفر أعطياتهم وسار العيادات في مقدمته حتى من الضيق ودنا من الطواويس فأقبل إليه خاقان بكير ميمنية أول رمضان سنة إثنتى عشرة واقتتلوا قليلا ثم رجع الترك وارتحل من الغد فاعترضه الترك ثانيا وقتل مسلم بن أحوز بعض عظمائهم فرجعوا من الطواويس ثم دخل الجنيد بالمسلمين بخارى وقدمت الجنود من البصرة والكوفة فسرح الجنيد معهم حورثة بن زيد العنبري فيمن انتدب معه.